الأحد، ٣٠ كانون الأول ٢٠٠٧

من أساليب الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية



I- مفهوم الحوار وضوابطه:
1) مفهوم الحوار: الحوار حديث بين طرفين في أجواء هادئة بعيدة عن الخصومة والتعصب وهو غير الجدل الذي يمتاز بالتعصب والمنازعة والشدة.
2) ضوابط الحوار:
ا- تقبل الآخر: أي الإعتراف به واحترام حقه في اتخاذ قناعات شخصية والتعبير عنها بحرية. »إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغ مأمنه «(التوبة:5)
ب- حسن القول: أي تهديب الكلام باجتناب الألفاظ الجارحة وعبارات السخرية والإزدراء»قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم «(الإسراء:53)
ج- العلم وصحة الأدلة: أي الإلتزام بالدليل والبرهان العلمي في إثبات الرأي الشخصي أو تفنيد الرأي المخالف.»قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا «(نعام:148)
د- الإنصاف والموضوعية: ويقتضي الإقرار بصحة رأي المحاور إذا تبين صدق حجته؛ إدعانا للحق.
II- أساليب الحوار في القرآن الكريم:
1) الأسلوب الوصفي التصويري: هو أسلوب قائم على عرض مشاهد حوارية. تكمن أهمية هذا الأسلوب في تبسيط الفكرة وعرضها بشكل حي حتى يندمج القارئ في المشهد الحواري ويتبنى الموقف الصحيح.
2) الأسلوب البرهاني الحجاجي: هو أسلوب يحاور المنكرين ويبرهن على زيف ادعاءاتهم. وقد تجلى في ما يلي:
ا- البرهنة على وحدانية الله: وذلك بمواجهة العقل بأسئلة لزحزحة مسلماته. الغاية من هذا الأسلوب تحرير العقول من قيود الوهم والهوى والتقليد, وتوجيهه إلى النظر الحر النزيه.
ب- البرهنة على البعث: وذلك بالدعوة إلى التأمل في الكون حتى يتمكن الإنسان من بناء قناعاته في هذا المجال على أساس العلم و البرهان.
III- أساليب الحوار في السنة:
1) الأسلوب الوصفي التصويري:يهدف هذا الأسلوب إلى تثبيت المفاهيم وتقريب المعاني بسرد القصص وضرب الأمثال.
2) الأسلوب الإستدلالي الإستقرائي:هو أسلو يعتمد على استجواب المخاطََب و الإنطلاق معه من المسلمات؛ للوصول به إلى بناء قناعات تجلي الفهم وتزيل اللبس.
3)الأسلوب التشخيصي الإستنتاجي: هو أسلوب يعتمد على عرض المشكل لإثارة الإنتباه وتحفيز الفكر,على أن تترك للمخاطب الفرصة لاستنتاج الحل بنفسه.
IV- كيفية تطوير مهارات الحوار بالإستعانة بالقرآن والسنة:
يمكن الإستفادة من القرآن والسنة لتطوير مهارات الحوا ر بمراعاة مايي:
- استخراج المحاورات الواردة في القرآن وفي الآحاديث ودراستها بتعمق.
- إجراء جرد للمراجع التي تتناول الموضوع.
- العمل على صياغة أصول كلية يمكن تحكيمها في عملية الحوار.

حـــول الـدرس الأول


تفسير أبي السعود ج: 8 ص: 87
وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا
بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعهما عز وجل ويداوموا على شكره। فما أغنى عنهم سمعهم حيث لم يستعملوه فى استماع الوحي ومواعظ الرسل ولا أبصارهم حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المنصوبة فى صحائف العلم ولا أفئدتهم حيث لم يستعملوها فى معرفة الله تعالى. من شئ أى شيئا من الإغناء ومن مزيدة للتأكيد وقوله تعالى إذ كانوا يجحدون بآيات الله متعلق بما أغنى وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه فإن قولك أكرمته إذ أكرمنى فى قوة قولك أكرمته لإكرامه إذا أكرمته وقت إكرامه فإنما أكرمته فيه لوجود إكرامه فيه كذا الحال في حيث وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون من العذاب الذى كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء.
تفسير الجلالين ج: 1 ص: 670
ولقد مكناهم فيما في الذي إن نافية أو زائدة مكناكم يا أهل مكة فيه من القوة والمال وجعلنا لهم سمعا بمعنى أسماعا وأبصارا وأفئدة قلوبا فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء أي شيئا من الإغناء ومن زائدة إذ معمولة لأغنى وأشربت معنى التعليل كانوا يجحدون بآيات الله بحججه البينة وحاق نزل بهم ما كانوا به يستهزءون أي العذاب.

روح المعاني ج: 26 ص: 162
لتعارفوا علة للجعل أي جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث لا لتفاخروا بالآباء والقبائل والحصر مأخوذ منالتخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان وقرأ الأعمش لتتعارفوا بتاءين على الأصل ومجاهد وابن كثير في رواية وابن محيصن بإدغام التاء في التاء وابن عباس وأبان عن عاصم لتعرفوا بكسر الراء مضارع عرف قال ابن جني والمفعول محذوف أي لتعرفوا ما أنتم محتاجون إليه كقوله وما علم الأنسان إلا ليعلما أي لعلم ما علمه وما أعذب هذا الحذف وما أغربه لمن يعرف مذهبهواختير في المفعول المقدر قرابة بعضكم من بعض وقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم تعليل للنهي عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الأستئناف الحقيقي كأنه قيل إن الأكرم عند الله تعالى والأرفع منزلة لديه عز وجل في الآخرة والدنيا هو الأتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى وقرأ ابن عباس أن بفتح الهمزة على حذف لام التعليل كأنه قيل لم لا تتفاخروا بالأنساب فقيل لأن أكرمكم عند الله تعالى أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بها وفي البحر أن ابن عباس قرأ لتعرفوا وأنأكرمكم بفتح الهمزة فاحتمل أن يكون أن أكرمكم الخ معمولا لتعرفوا وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر وهو أجود من حيث المعنى وأما أن كانتلام كي فلا يظهر المعنى إذ ليس جعلهم شعوبا وقبائل لأن يعرفوا أن أكرمهم عند الله تعالى أتقاهم فإن جعلت مفعولالتعرفوا محذوفا أي لتعرفوا الحق لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ساغ في اللام أن تكون لام كي أه وهو كما ترى إن الله عليم بكم وبأعمالكم خبير بباطن أحوالكم.
تفسير القرطبي ج: 16 ص: 340
قوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء ونزلت الآية في أبي هند ذكره أبو داود في المراسيل حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني الزهري قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجها أبا هند امرأة منهم فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نزوجبناتنا موالينا فأنزل الله عز وجل إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا الآية قال الزهري نزلت في أبي هند خاصة وقيل إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له ابن فلانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة قال ثابت أنا يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت قال رأيت أبيض وأسود وأحمر فقال فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى فنزلت في ثابت هذه الآية ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس الآية قال ابن عباس لما كان يوم فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم قال الحارث بن هشام ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو إن يرد الله شيئا يغيره وقال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء فأتي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية زجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء فإن المدار على التقوى أي الجميع من آدم وحواء إنما الفضل بالتقوى
بـيان حقيقة الكبر وآفته:
اعلم أنّ الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر. فالباطن هو خلق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح. واسم الكبر بالخلق الباطن أحق، وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق. وخلق الكبر موجب للأعمال ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال تكبر، وإذا لم يظهر يقال في نفسه كبر. فالأصل هو الخلق الذي في النفس وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبراً عليه ومتكبراً به، وبه ينفصل الكبر عن العجب ــــ كما سيأتي ــــ فإنّ العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصوّر أن يكون معجباً، ولا يتصوّر أن يكون متكبراً إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق الغير في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبراً، ولا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبراً فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه، ولا يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر، بل ينبغي أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره، فعند هذه الاعتقادات الثلاث يحصل فيه خلق الكبر، لا أن هذه الرؤية تنفي الكبر، بل هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفخ فيه، فيحصل في قلبه اعتداد وهزة وفرح وركون إلى ما اعتقده وعز في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزة والهزة والركون إلى العقيدة هو خلق الكبر. ولذلك قال النبـي : «أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْخَةِ الكِبْرِياءِ» ، وكذلك قال عمر: أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا، للذي استأذنه أن يعظ بعد صلاة الصبح. فكأن الإنسان مهما رأى نفسه بهذه العين ــــ وهو الاستعظام ــــ كبر وانتفخ وتعزز.
فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات، وتسمى أيضاً عزة وتعظماً، ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى: {إنْ في صُدُورِهِمْ إلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغيهِ} قال: عظمة لم يبلغوها، ففسر الكبر بتلك العظمة. ثم هذه العزة تقتضي أعمالاً في الظاهر والباطن هي ثمرات ويسمى ذلك تكبراً، فإنه مهما عظم عنده قدره بالإضافة إلى غيره حقر من دونه وازدراه وينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالاً لهم واستحقاراً.
والأعمال الصادرة عن خلق الكبر كثيرة وهي أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى تعدادها فإنها مشهورة. فهذا هو الكبر وآفته عظيمة وغائلته هائلة، وفيه يهلك الخواص من الخلق، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء فضلاً عن عوام الخلق، وكيف لا تعظم آفته، وقد قال : «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ؟» وإنما صار حجاباً دون الجنة لأنه يحول بـين العبد وبـين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها، لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز، ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز، ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز، ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز، ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز، ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز، ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز، ولا يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز. ولا معنى للتطويل فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفاً من أن يفوته عزه، فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه. والأخلاق الذميمة متلازمة والبعض منها داع إلى البعض لا محالة. وشر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له، وفيه وردت الآيات التي فيها ذم الكبر والمتكبرين. قال الله تعالى: {والمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أيْدِيهِمْ} إلى قوله: {وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} ثم قال: {اُدْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِرينَ} ثم
سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم، وفي بعض التفاسير سأحجب قلوبهم عن الملكوت. وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها. ولذلك قال المسيح عليه السلام: إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفا، كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبر، ألا ترون أنّ من شمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن طأطأ أظله وأكنه. فهذه مثل ضربه للمتكبرين وأنهم كيف يحرمون الحكمة، ولذلك ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم جحود الحق في حد الكبر والكشف عن حقيقته وقال: «مَنْ سَفِهَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» .
بـيان المتكبر عليه ودرجاته وأقسامه وثمرات الكبر فيه:
اعلم أنّ المتكبر عليه هو الله تعالى أو رسله أو سائر خلقه، وقد خلق الإنسان ظلوماً جهولاً، فتارة يتكبر على الخلق، وتارة يتكبر على الخالق، فإذن التكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام:
الأول: التكبر على الله؛ وذلك هو أفحش أنواع الكبر، ولا مثار له إلا الجهل المحض والطغيان مثل ما كان من نمروذ، فإنه كان يحدّث نفسه بأن يقاتل رب السماء، وكما يحكى عن جماعة من الجهلة. بل ما يحكى عن كل من ادعى الربوبـية مثل فرعون وغيره، فإنه لتكبره قال: أنا ربكم الأعلى، إذ استنكف أن يكون عبداً لله، ولذلك قال تعالى: {إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ عَبْداً للَّهِ ولا المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ} الآية. وقال تعالى: {وإذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرَّحْمٰن قَالُوا وَمَا الرَّحْمٰنُ أَنَسْجُدُ لمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} .
القسم الثاني: التكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها على الانقياد لبشر مثل سائر الناس؛ وذلك تارة يصرف عن الفكر والاستبصار فيبقى في ظلمة الجهل بكبره فيمتنع ع
{أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنينَ} وقال الله تعالى: {واسْتَكْبَرَ هُوَ وجُنُودُهُ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} فتكبر هو على الله وعلى رسله جميعاً. قال وهب: قال له موسى عليه السلام آمن ولك ملكك، قال: حتى أشاور هامان، فشاور هامان فقال هامان: بـينما أنت رب يعبد إذ صرت عبد تعبد فاستنكف عن عبودية الله وعن اتباع موسى عليه السلام. وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم: {لَوْلاَ نُزلَ هَذا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظيمٍ} قال قتادة: عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة وأبو مسعود الثقفي، طلبوا من هو أعظم رئاسة من النبـي إذ قالوا غلام يتيم كيف بعثه الله إلينا؟ فقال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} وقال الله تعالى: {لِيَقُولُوا أَهؤلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَـيْنِنَا} أي استحقاراً لهم واستبعاداً لتقدّمهم. وقالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء؟ وأشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم بأعينهم لفقرهم، وتكبروا عن مجالستهم، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةِ والعَشِيِّ} إلى قوله: {ما عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ} وقال تعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ولاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذ لم يروا الذين ازدروهم فقالوا: {مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ} قيل: يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم، ثم كان منهم من منعه الكبر عن الفكر والمعرفة، فجهل كونه محقاً، ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف ق
فأما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله الكبر؟ فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بحلاله، ومثاله: أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت وما أعظم تهدفه للخزي والنكال وما أشد استجراءه على مولاه وما أقبح ما تعاطاه وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى: «العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته». أي إنه خاص صفتي ولا يليق إلا بـي، والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي، وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه، إذ الذي يسترذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض أمره، وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه، فالخلق كلهم عباد الله وله العظمة والكبرياء عليهم، فمن تكبر على عبد من عباد الله فقد نازع الله في حقه. نعم الفرق بـين هذه المنازعة وبـين منازعة نمروذ وفرعون، هو الفرق بـين منازعة الملك في استصغار بعض عبـيده واستخدامهم وبـين منازعته في أصل الملك.
الوجه الثاني: الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره، لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله وتشمر لجحده، ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين، ومهما اتضح الحق على لسان واحد منهم أنف الآخر من قبوله، وتشمر لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبـيس وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال: {وَقَاَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لهٰذَا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِ
«كُلْ بِـيَمِينِكَ» قال: لا أستطيع، فقال النبـي : «لاَ اسْتَطَعْتَ» فما منعه إلا كبره، قال: فما رفعها بعد ذلك أي اعتلت يده. فإذن تكبره على الخلق عظيم لأنه سيدعوه إلى التكبر على أمر الله، وإنما ضرب إبليس مثلاً لهذا، وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به، فإنه قال: أنا خير منه، وهذا الكبر بالنسب لأنه قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به، وكان مبدؤه الكبر على آدم والحسد له فجرّه ذلك إلى التكبر على أمر الله تعالى، فكان ذلك سبب هلاكه أبد الآباد، فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة، ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس بن شماس فقال: يا رسول الله إني امرؤ قد حبب إليَّ من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال : «لا وَلٰكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» وفي حديث آخر: «مَنْ سَفِهَ الحَقَّ» وقوله: «وَغَمَصَ النَّاسَ» أي ازدراهم واستحقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه. وهذا الآفة الأولى: «وسفه الحق» هو رده وهي الآفة الثانية، فكل من رأى أنه خير من أخيه واحتقر أخاه وازدراه ونظر إليه بعين الاستصغار، أو رد الحق وهو يعرفه فقد تكبر فيما بـينه وبـين الخلق، ومن أنف من أن يخضع لله تعالى ويتواضع لله بطاعته واتباع رسله فقد تكبر فيما بـينه وبـين الله تعالى ورسله.
بـيان ما به التكبر:
اعلم أنه لا يتكبر إلا متى استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال. وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار.
لسان العرب ج: 1 ص: 649
الغضب نقيض الرضا وقد غضب عليه غضبا و مغضبة و أغضبته أنا فتغضب و غضب له غضب على غيره من أجله وذلك إذا كان حيا فإن كان ميتا قلت غضب به قال دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله فإن تعقب الأيام والدهر فاعلموا بني قارب أنا غضاب بمعبد 1 وإن كان عبدالله خلى مكانه فما كان طياشا ولا رعش اليد قوله معبد يعنى عبد ا فاضطر ومعبد مشتق من العبد فقال بمعبد وإنما هو عبدالله بن الصمة أخوه وقوله تعالى غير المغضوب عليهم يعني اليهود
قال ابن عرفة الغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم ومنه محمود ومذموم فالمذموم ما كان في غير الحق والمحمود ما كان في جانب الدين والحق وأما غضب الله فهو إنكاره على من عصاه فيعاقبه وقال غيره المفاعيل إذا وليتها الصفات فإنك تذكر الصفات وتجمعها وتؤنثها وتترك المفاعيل على أحوالها يقال هو مغضوب عليه وهي مغضوب عليها وقد تكرر الغضب في الحديث من الله ومن الناس وهو من الله سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له ورجل غضب و غضوب و غضب بغير هاء و غضبة و غضبة بفتح الغين وضمها وتشديد الباء و غضبان يغضب سريعا وقيل شديد الغضب والأنثى غضبى و غضوب قال الشاعر هجرت غضوب وحب من يتجنب 2 والجمع غضاب و غضابى عن ثعلب و غضابى مثل سكرى وسكارى قال فإن كنت لم أذكرك والقوم بعضهم غضابى على بعض فما لي وذائم وقال اللحياني فلان غضبان إذا أردت الحال وما هو بغاضب عليك أنتشتمه قال وكذلك يقال في هذه الحروف وما أشبهها إذا أردت افعل ذاك إن كنت تريد أن تفعل ولغة بني أسد امرأة غضبانة وملآنة وأشباهها وقد أغضبه و غاضبت الرجل أغضبته و أغضبني و غاضبه راغمه وفي التنزيل العزيز وذا النون إذ ذهب مغاضبا قيل مغاضبا لربه وقيل مغاضبا لقومه قال ابن سيده والأول أصح لأن العقوبة لم تحل به إلا لمغاضبته ربه وقيل ذهب مراغما لقومه وامرأة غضوب أي عبوس.

السبت، ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٧

قيم التواصل وضوابطه


التواصل ودواعيه
مفهوم التواصل
التواصل تفاعل إيجابي ناتج عن إرسال الخطاب و استقباله.
ينبع التواصل من إرادة الإتصال بالآخر بدافع الرغبة في الوصول إلى الحقيقة.
دواعي التواصل
حاجات الإنسان الإجتماعية: يلجأ الإنسان إلى التواصل مع الآخرين لأجل التعبير لهم عن احتياحاته.
-طبيعة الإنسان الإستخلافية: صرح القرآن بان الإنسان خُلق في الأرض لأجل أداء مهمةالخلافة التي تؤهله لحياة الخلود . وهي مهمة لا تتم إلا باستعمال حواس التواصل في اكتساب العلم و المعرف ة اللازمين للإيمان بالله وتدبير الحياة وفق إرادته.

التواصل و عوائقه النفسية والسلوكية
العوائق النفسية
: هي المشاعر الدفينة والقناعات السلبية التي تمنع التبليغ و التلقي. ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
عوائق الإرسال منها : التعالي – الإعجاب بالنفس – سوء الظن.
عوائق الإستجابة منها : الكبر – الجحود - الإحتقار.
العوائق السلوكية: وهي الأخلاق السيئة التي لا تسهل التواصل. و نميز فيها بين قسمين:
عوائق التبليغ وهي: الغضب و العنف و ما يشيعانه من خوف و إهانة.
عوائق التلقي: هي الاستهزاء بالمتكلم و الإعراض عنه و التغافل عن كلامه.

ألإسلام و التواصل. القيم و الضوابط:
القيم: هي قيم تصوغ السلوك التواصلي ومن أهمها:
قيم تحكم نية المتواصل: و هي قيم تحدد منطلق التواصل وتحصره فيما هو إيجابي.
قيم تحكم مقصد المتواصل: هي قيم توجه التواصل إلى الخير و الصلاح.
قيم تحكم فعل المتواصل: و هي الصدق و الأمانة و الحياء و التواضع و احترام الرأي و الإقرار بالحق و الرفق.
الضوابط:
-ضوابط التبليغ و الإرسال: ومن أهمها حسن البيان –الرفق- المخاطبة بالتي هي أحسن-استعمال الكلمة الطيبة
ضوابط التلقي والإستقبال: حسن الإقبال على المتكلم و الإنصات إليه -ترك مقاطعته-حمل كلامه على محمل حسن .

قواعد لتنمية مهارات التواصل:
حسن النية .
بدل الوسع لفهم الكلام.
اجتناب التأويل السئ للكلام.
الإستفسار للتأكد عند الحاجة.
الإقبال و الإنصات.

توجيهات خاصة بالمُرسل
حسن النية
استهداف المصلحة
الإفصاح عن الهدف.
الإختصار في الكلام

الإحترام والتقدير والأدب